Sunday, November 7, 2010

القوم الكافرون

غرفة مكتب الجهال

جلس عمار الجهال في غرفة مكتبه الواسعة على كرسيه الخشبي المزخرف بالذهب،مرتديا للبدلة التي أعدت له خصيصا من إحدى بيوت الأزياء الايطالية، في خوف شديد و في حالة انهيار كاملة. أخذ ينظر في ساعتة البلاتينيه، فهو لا يعرف ما الذي ينتظره و لكنه ينظر في الساعة بلا توقف.

بعد لحظات قليلة دخل الوزير المخضرم سيد المعاوي مكتب عمار الجهال ليهدئه. كان سيد المعاوي احد ضباط البوليس السري في السابق مما يطبع على شخصيته و شكله. فإذا تكلم لا يجيب على السؤال الا بسؤال حتى مل الصحفيون في أحداث كثيرة من محاولة استجوابه. فهو لا يهتم بمظهرة الشخصي على الاطلاق شكلاً و موضوعاً، لا يكترث و لا يهتم بوصف الناقدين له بأنه كاذب أو فاسد أو حتى قواد، فلقد تعلم في دراسته للسياسة في جامعة أوكسفورد في انجلترا أن السياسة هي فن الاختيار بين السىء و الأسوأ، و عرف جيدا أن السياسي يجب أن يفقد حب الناس في بعض الأحيان، خاصة في مجتمعه الذي دائما يصفة بالجهل و التخلف. ففي أحيان كثيرة حين يجتمع بمساعديه في مكتبة يقول لهم: الصحافة في بلادنا صحافة متخلفة، لا تكترثوا كثيرا بكلام الصحفيين، فأغلبهم مغرضون.

فتح معاوي باب المكتب الخاص للجهال و إذا به يرى منظراً غريباً. فالجهال يبكي مروعاً مما حدث له، منظر البكاء في حد ذاته لم يكن وحده الغريب، و لكن هيئة الجهال هي ما تجعل بكاءه شكله غريب، فهو قوي البنية، طويل القامة، وعريض المنكبين، منظرة باكيا كمنظر سيد قشطة يبكي!، هذا ما جاء على بال معاوي في هذة اللحظات الحرجة. أمسك نفسه من الضحك و استرجع رشده و سأل الجهال:

يا أمير المؤمنين ماذا حدث؟ لماذا تبكي؟

كان لقب أمير المؤمنين لقباً أعطاه الجهال لنفسه بعد توليه مقاليد الحكم. فلقد تعلم من الفترات السابقة أن الإيمان إحدى أهم سمات الحاكم. لقد أثار هذا اللقب لغطاً و معارضةً كثيرة و لكنه أصر عليه، فهو لايعرف أمراء أخرين للمؤمنين إلا انه أحب اللقب و الوصف.

أستأنف معاوي حديثه: هذا ليس أكثر من كلب، و لقد سيطرنا على الموقف كاملاً. يا أمير المؤمنين منصبك يضعك دائماً في خطر، ألم أقص عليك أغتيالات أمراء المؤمنين الأخرين، أحمد الله الذي نجاك فالله لم ينج عمر من أبي لؤلؤة المجوسي و لم ينج علي و لم ينج عثمان. الله نجاك أنت، أنت يا أمير المؤمنين لتحمل راية الإيمان.

الجهال ما زال غير قادر على السيطره على نفسه، ففي عقله السؤال يلح: لقد أستعنت بمئات الرجال لحمايتي حتى فني الرجال من البلاد، فأستعنت بالنساء و جعلتهن حرسي الخاص. ماذا أفعل بعد هذا؟ أين التقصير؟

تدخل معاوي مقاطعاً لحديث الجهال مع نفسه: يا أمير المؤمنين هذه ليست أكثر من محاولة اغتيال فاشلة.

فرد الأمير في روع شديد: ولكن، و لكنه كاد أن ينجح.

رد عليه معاوي مطمئناً و مؤكداً: لا يا أمير المؤمنين لم يكد ينجح على الإطلاق.

الأمير: هل وصلتم الى المحرضين؟

معاوي: نعم يا أميرنا، إنهم جماعة تسمي نفسها بالقوم الكافرين.

رد الأمير في صوت و كأنه وجد الحل لمشكلة معقدة: القوم الكافرون، هؤلاء هم القوم الكافرون!، (و في صوت خافت و كأنه يتذكر) و أنا أمير المؤمنين، هل هذا يعني أننا يجب أن نحاربهم.

معاوي: حفظك الله يا مولانا، فبديهتك تسر العقول. نعم يا أمير المؤمنين يجب أن نحاربهم.

كلمات الإعجاب التي حقن معاوي بها الأمير هدأت من روعه بعض الشيء، و لكنه كعادته يحاول أن يظهر عدم الإكتراث بالمديح. كلما أظهر عدم الإكتراث كلما زاد معاوي في وصفة للأمير بأنه شجاع و ذكي، و يلقبه بين حين و أخر بمولانا الأمير أو مولانا فحسب.

استطرد الأمير قائلا: و لكن يا معاوي نحن لا نحارب، أنسيت كلامك، نحن نبني و نعمر و ننمي. هذا أفضل يا معاوي، يجب ألا ننسى الخطاب المتجدد الذي بدأنا ولايتنا به منذ أربعون عاما.

و في بطء شديد أخذ يقول الأمير الشعار: التنمية المستدامة، التنمية المستدامة يا معاوي.

معاوي: لقد نمينا يا مولانا، نمينا كثيراً، نمينا أكثر من اللازم.

الأمير في لهجة تساءل و تحقق: ممم! و هل استدامت؟

رد عليه معاوي بلهجة سخرية، التي يعرف أن الأمير لن يفهمها: نعم يا أميرنا أستدامت و كثرت حتي طفحت.

الأمير رد علية في استغراب: طفحت؟! طفحت، ماذا تقصد؟

معاوي: لا أقصد الطفح يا أميرنا كما تعرفه، أقصد عمت، و شملت الناس أجمع.

الأمير: و لكني يا معاوي في حالة ارتياب من هذه الحرب، من سيعد الخطط و من أين سنجد الموارد.

معاوي: و من قال أننا نحتاج الى خطط أو موارد أو حتى أسلحة؟

الأمير: ماذا تقصد يا معاوي؟

معاوي: يا أميرنا، أصول الحرب الأن أختلفت. أسمعت عن خطة واضحة أو استراتيجية عسكرية في الحرب ضد الإرهاب مثلا؟!

الأمير: لا لم أسمع!

معاوي: معركتنا ضد الكافرون ستكون شبيهة جداً بالمعركة ضد الإرهاب ، هذه أصول الحرب الجديدة، يجب أن نتقدم مع الزمن يا مولانا.

الأمير: صحيح يجب أن نتقدم مع الزمن، إذا كانت أمم الغرب تحارب الإرهاب لتحافظ على الحرية، لما لا نحارب نحن لنحافظ على الإيمان ، خاصة و أنني أمير المؤمنين.

معاوي: بسم الله ما شاء الله!، نعم الرأي يا أمير المؤمنين، فهذه خير استفادة من تجربة الأخرين. قمع الحريات للحفاظ على الحريات أيضاً! عبقرية سياسية ، محاربة الكفر لفرض الايمان، هذه خير حرب و أفضل جهاد. أعلن الحرب يا أمير المؤمنين.

و في صوت خافت و ساخر استطرد معاوي قائلاً: فالإعلان في الحروب الحديثة أهم من الحرب نفسها التي لا يعلم أحد عنها شيئاً!.

الأمير: ماذا تقصد يا معاوي؟ لا تتكلم بالألغاز.

معاوي: أنا أقصد يا مولانا أن الحرب تحتاج لمؤيديين، و التأييد يحتاج للإشهار والإعلان مثل الزواج!، و عدونا الأن هم الكافرون أجمعين، و هذا يحتاج الى جهد كبير.

قاطع الأمير معاوي في وسط كلامه كما يفعل دائماً، خاصة أنه هدأ من روع محاولة الاغتيال و رجع الى طبيعته، فقال: و متي يكون أفضل وقت لإعلان الحرب.

معاوي: يوم الجمعة، في خطبة الجمعة، شعبك يريد أن يحتفل بك في هذا اليوم.

الأمير في لهجه تساءل و فرح: الشعب بأكمله؟

معاوي: نعم يا ولي النعم، الشعب بأكمله لا ينقصه أحد، العجائز و الأطفال و النساء و الشباب. الشعب بأكملة في انتظارك يا أمير المؤمنين.

الأمير: عظيم، إذن احضر لي الطعام، ثم استطرد في ارتباك وتردد وضحك ضحكة خفيفة ، أقصد أحضر لي هذه الكلمة و أتصل بالطباخ ليحضر لي الغداء.

معاوي رد على الأمير بضحكة خفيفة، فالضحكة الخفيفة يجب أن يقابلها ضحكة خفيفة و الضحكة الكبيرة يقابلها ضحكة كبيرة أيضا: أمرك يا مولانا سأحضر الكلمة و الطعام اذا أحببت و لكني لا أفقة فن الطهي.

رد عليه الأمير بضحكات عالية: ها ها ها

خطبة الجمعة

وقف امام المسجد يخطب في الناس في فرح شديد: يا شعب الجهال لقد نجى الله أمير المؤمنين، و الله لن ألق خطبة اليوم. إن خطبة أليوم سيلقيها أمير المؤمنين الذي نجاه الله من القوم الكافرين كما نجا محمد عليه الصلاة و السلام من أهل مكة.

و في صوت عال و بشكل مفاجئ مما أثار ضحك مكتوم عند معاوي، بدأ يقول كلنا فداك يا أمير المؤمنين، و بدأ الناس في المسجد يقولون وراءة: كلنا فداك يا أمير المؤنين.

و بدأ معاوي يهمس لنفسه بلهجة سخرية: نعم الخطابة يا إمام!

قبل أن يبدأ الأمير كلمته نظر حوله و أمامه، و أحس ببعض الخوف و الريبة. فبالرغم من أنه أشرف على اختيار جميع المصلين بنفسه الا انه ما زال خائفاً. كل شئ معد كما خطط له معاوي، ففي الصفوف الأمامية الشيوخ و الأطفال و النساء، مما أثار الكثير من الدهشة و المعارضة من إمام المسجد في خلال الترتيبات لهذه الخطبة. ففي فترة التحضير للخطبة قال إمام المسجد لمعاوي: لا يمكن أن نضع النساء مع الرجال في نفس المكان!

فرد عليه معاوي: الأمير يجب أن يرى النساء و الأطفال و الشيوخ معاً، أنا و عدته بهذا.

إمام المسجد: و الشرع يا سيادة الوزير؟

معاوي: نحن أمة وسطا يا إمام المسلمين، الشرع يتقدم و يتحدث و يتبلور، هذه مهنتك يا إمام

إمام المسجد: سنجد لها حلاً بإذن الله

معاوي: أنا واثق من هذا

بعد أيام قلية من مقابلة الوزير بالإمام ، أصدر الإمام الفتوى التي تنص على أحقية صلاة المرأة جنبا الى جنب بالرجل، حفاظاً على حريتها و ايماناً بمساواتها.

أستكمل الأمير نظراته الاستكشافية، فكل معد كما أراد. القناصون في جميع أنحاء المسجد، مجموعة صغيرة من الأطفال و الشيوخ لتسلط الكاميرات عليهم في الأمام و باقي المصليين هم حرس الأمير الخاص الذي يعرفهم كلهم، و لكنه لا يثق في أحد الأن.

همس الوزير في أذن الأمير: الناس تنتظر كلمتك يا أميرنا.

رد الأميرفي ريبة: نعم نعم سأبدأ الأن.

استجمع الأمير شجاعته و بدأ يتكلم: يا شعب الجهال، أحمد الله أن نجاني و أحمد الله أن أعطاني الحياة و أقول لكم من فوق هذا المنبر المقدس أننا سنحارب و سنقاتل القوم الكافرين.

في بادئ الأمر لم يصفق أحد، فهم لم يفهموا. منذ أمد بعيد لم يسمعوا شيئا عن القتال أو النضال حتى نسوا معاني هذه الكلمات و بإشارة من معاوي للمصلين في المسجد بدأ التصفيق الحاد.

تعجب الناس كثيرا لهذا الخطاب، فالأمير لم يعتد أن يتوعد حرباً أو سلاماً، فهو لا يشكر و لا يذم، و لا يحب و لا يكره، فلم توعد القتال. و بدأ الخطاب الديني في البلاد يحرض الناس للحرب على الكافرين، على وزن الحرب على الارهاب.

أنتهت خطبة الجمعة و انتهى خطاب الأمير و مرت الأيام و أصدر الحكم على المغامر ابراهيم، المتهم بمحاولة اغتيال الأمير، بالاعدام شنقاً و أعلن الحكم كأولى خطوات الحرب على الكافرين.

نهاية المغامر ابراهيم في غرفة الإعدام

دخل إمام مسجد الجهال غرفة الاعدام لقراءة بعض الآيات علي إبراهيم ومحاولة منه لهدايته عن كفره قبل أن يشنق. دخل الإمام الزنزانة ليجد شابا في الخامسة و العشرين من عمره، لا يوجد على وجهة علامات الخوف أو الفزع من حكم الاعدام.

قال الإمام : في ساعات قليلة سترحل عن الحياة الى دار الحق، الا تريد أن تؤمن لتغفر لك ذنوبك و معاصيك.

ابراهيم رد علية في لهجة تحدي: أؤمن بمن؟

رد الإمام : تؤمن يا ابراهيم كما أمن أبائك و أجدادك فأنت من عائلة كريمة.

ابراهيم: اذا آمنت كما أمن أبائي و أجدادي، فلن يكون الحق الذي تريدني أن أؤمن به لأذهب الى دار الحق.

الامام: كيف يكون الكفر حقاً؟

ابراهيم: حين يصبح المعبود صنماً

الإمام: و من غير معبودنا؟

ابراهيم: أنتم الذين عبدتم من لا يستحق أن يعبد

الإمام: مصيرك النار.

ابراهيم: في الدنيا، أما في دار الحق التي تتكلم عنها فبرداً و سلاماً.

الإمام: أنت عنيد و غبي، أحرقك الله.

رد علية ابراهيم بلهجة سخرية: أحرقنا جميعاً!

لم يصدق الإمام قوة رد ابراهيم، فقد كان يتوقع أن يرى حطام إنسان.

خرج الامام من غرفة بالإعدام مغتاظاً يقول عالياً: أقتلوه، أرموه بالرصاص، فهو لا يستحق الشفقة، هذا الكافر اللعين.

حكم على إبراهيم بالإعدام و و جدوا في غرفة الإعدام ورقة مكتوب عليها: نحن قوم كفر عن دين الأبأ و الأجداد.

لم يستدل على الجماعة بعد و أمة الجهال ما زالت في حالة الحرب التي أعلنها أميرهم عمار الجهال ضد القوم الكافرين.